الوثيقة السينمائية بين الواقع والخيال
الملخص
اختط رواد السينما الوثائقية ومنذ البدايات الاولى ، طريق خاص في تعاملهم مع عناصر اللغة السينمائية من جهة وطرح القصة او الحكاية الفلمية من جهة اخرى، فعناصر اللغة السينمائية اقتصرت على عملية النقل المباشر وتصوير الافعال دون امكانية التحكم بها مع الابتعاد عن ااي توظيف للمؤثرات الصورية وما ينتج عنها من خداع وايهام او تكوين بناء جمالي تشكيلي يلعب النص الضوئي دور في إظهاره، اما على مستوى القصة فأن التعامل يكون مع الواقع المعاش غير المسيطر عليه ، والاعتماد على كل ما هو حقيقي وعياني من شخصيات او اماكن او افعال، وهذا ما يختلف كليا عن طروحات وإعمال رواد السينما الروائية سواء الواقعيين منهم او الشكليين، فهم لا يعتمدون الا الواقع المسيطر عليه لتشكيل عناصر اللغة السينمائية بما يحقق متعة الابهار الجمالي للشكل والمضمون، وهذا ما ينطبق بالدرجة الاساس على الشكليين الذين يعملون على تشويه مدروس للواقع لانتاج واقع جديد يختلف كليا عن الواقع المعاش، لذا فان الوثائقية والروائية تياران مختلفان لا يمكن ان يلتقيا، بسبب علة وجود كل منهما، والمنطلقات الفلسفية التي تحكم انبثاقهما واستمرار يتهما ، وعلى هذا الأساس نرى ان الوثائقية تعتمد الوثيقة لا القصة فالوثيقة هي جواز المرور لتحقيق المصداقية ونقل الافكار والمعاني وبسبب هذا التأثير الطاغي على مستوى التجسيد والمصداقية سعت السينما الواقعية بافلامها الروائية الى الاعتماد بشكل كبير على بعض الاساليب الوثائقية، منطلقين من فرضية مفادها: ان عمل الوثيقة لا يختص على الفعل الوثائقي فحسب بل ويتعداه الى الفعل الواقعي السينمائي او السينما الواقعية، طالما ان الرواية الواقعية تعتمد في ما تعتمده كاساس لبنائها الفني وسماتها الأسلوبية الى تحديد الاطر المكانية والزمانية بطريقة دقيقة وتفصيلة للإفادة من الايهام الواقعي لكلا العنصران عند تحديدهما بدقة متناهية، يضاف الى ذلك البناء الفني للشخصيات التي تعتمد سمات شكلية ومضمونية تتماشى وطروحات الواقع بافعالها واحداثها وخيط سيرها للنهاية، لذا يمكن ان تكون للوثيقة السينمائية سواء كانت وثائقية او روائية تداخل خلاق مبدع، ومن هنا يمكن تحديد مشكلة البحث بالتساؤل الاتي:هل يمكن توظيف الوثيقة الواقعية بالسينما الروائية مع المحافظة على مصداقيتها وتأثيرها الفكري؟